الخميس، 19 سبتمبر 2013

د.ناجح ابراهيم يكتب : أكبر لوثة أصابت العقل المسلم فى تاريخه هى لوثة التكفير

التكفير والتفجير وجهان لعملة واحدة.. فالتكفير قتل معنوى للمسلم بإخراجه عن دينه والتفجير هو قتل مادى يخرجه من الحياة.. وهى قاعدة شبه مضطردة فى التاريخ الإسلامى.. وعادة ما ينتشر التكفير أثناء وبعد الصراعات السياسية.. وقد ظهر لأول مرة أثناء الصراع السياسى بين على ومعاوية رضى الله عنهما ولم يتحرجوا من تكفير الصحابة مثل على ومعاوية وعمرو بن العاص وأبى موسى والزبير وطلحة وبعضهم مبشر بالجنة بحجة أنهم لم يَُحَكّموا شرع الله وشرعوا فى قتلهم الثلاثة الأول.. فتمكنوا من قتل على ّ دون غيره.
لقد كان فكر التكفير شؤماً على الإسلام كله.. وكان سبباً فى إنهاء الخلافة الراشدة وبداية الملك العضوض.. ويعد الصراع السياسى بين على ومعاوية سبباً فى ظهور أخطر فرقتين فى الإسلام وهما الشيعة والخوارج (التكفير).
ومصر الآن تعيش ثنائية التكفير والتفجير.. وأزمة الفكر التكفيرى أنه يحول أى خلاف إلى كفر وإيمان وحق وباطل.. فى حين أن الصحابة والتابعين والسلف كان الخلاف بينهم يتراوح بين الراجح والمرجوح والصواب والخطأ.. كما كان يقول الشافعى «رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».. ولذلك تعددت أقوال الفقهاء والأئمة حتى إنك قد تجد فى المسألة الواحدة قرابة عشرة أقوال دون أن يكفر أو يفسق أو يبدع بعضهم بعضا.
والأصل فى كل مسلم الإسلام ولا يزول هذا الأصل إلا بدليل أوضح من شمس النهار كما يقول الفقهاء فى «قاعدة استصحاب الأصل»: «فاليقين لا يزول بالشك.. والحقائق لا تمحى بالظن.. وتكفير المسلم فيه أعظم الخطر».
وقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم): «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما». وحجة الإسلام الغزالى يقول: «الخطأ فى ترك ألف كافر أهون من الخطأ فى تكفير مسلم». وموجات التكفير فى المجتمع المصرى الآن على أشدها ويصاحبها التخوين والتفسيق والتبديع.. فكل نقاش يدور داخل الأسرة المصرية أو بين الأصدقاء أو الجيران حول الرأى فى د. مرسى ورئاسته وعزله أو رابعة.. أو الفريق السيسى أو المظاهرات أو القنوات أو ما شابهها يؤدى بالمتحاورين إلى تكفير أو تفسيق أو تبديع بعضهم بعضا.. ثم مقاطعته.
وجاءت الطامة الكبرى بالأغنية التكفيرية الجديدة التى هلل لها البعض والتى تقول بعض مقاطعها «انتو شعب.. واحنا شعب.. رغم أن الرب واحد ليكو رب ولينا رب.. ابعد بعيد عن أرضنا لأنكو ولأننا احنا شعب وانتو شعب»..
فهذه شعارات التكفير السياسى والدينى التى ستقصم ظهر الوطن أكثر مما هو مقصوم.. خاصة أنها تحمل أيضاً شعارات «التهجير والإقصاء».. «إلى السجون» طبعاً.
وتقابلها موجات تكفيرية عاتية تكفر الجيش والشرطة بغير حق. ومصيبة التكفيرى أنه يجعل من نفسه قاضياً يحكم على من يشاء بالكفر وينصب نفسه جلاداً وشرطياً فينفذ الحكم عليه.. ثم يجعل من نفسه إلهاً ليدخله النار.. ويفعل كل ذلك فى هدوء عجيب.
والخلاصة أن .. ويؤلمنى جداً أنها أصابت المجتمع المصرى فى مقتل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق